كلما وقعت فى مشكلة كبيرة فى طفولتى لم اجد سوى جدتى لامى احكى لها فتبادلنى الراى والنصيحة وبالرغم من طبيعة حياتها القاسية ، الا ان نصائحها كانت دائما برقة وحنية ممزوجة بشئ من القسوة والعتاب .
لم اكن اعرف سبب هذا العتاب هل هو نتيجة ثقتها بقدراتى انى استطيع ان احل اى مشكلة ، ام بسبب انها لا تتوقع انى سانفذ نصائحها ، الا انى كنت اتلقى تلك النصائح بكل رحب وسعة . اما القسوة فهى ناشئة عن شخصيتها التى تمتزج بين المصرية والتركية وتمسكها دائما بكل ما هو خير وصواب فى نظرها
وفى احدى مشاكلى - لسنا بصدد الحديث عن المشكلة- الا انى كنت اعتبرها مازق كبير ومشكلة عويصة لا حل لها ذهبت الى غرفة جدتى حاكيا لها ما حدث لى ، فنظرت الى مبتسمة لثوانى الا ان ملامحها رجعت الى عبوسها قائلة لن احل لك مشكلتك هذه المرة فانا لا املك الحل وايضا لن استطيع من الان ان احل لك اى مشكلة فلا يوجد احد يستطيع حل كل المشاكل .
نظرت اليها بهلع فهى كانت حتى هذه اللحظة هى ملاذى فى هذه الدنيا وخط دفاعى الاول والاخير ، الا انها انقذتنى من هذه الهواجس قائلة ساحكى لك قصة تذكرها كلما حدثت لك مشكلة كبيرة وصعوبتها بعمق بئر خاوية من مائها
لم ادرك معنى صعوبة بئر عميقة خاوية من مائها الا انى لم اكن فى مزاج رائق لتلقى حكاية برغم ولعى الشديد بالحكايات والقراءة الذى يصل الدرجة الجنون لذلك لم اسئلهاعن معناها كعادتى عندما لا ادرك معنى شئ فقلت لها دون اكتراث احكيها لعلها تنتهى منها بسرعة واذهب انا للتفكير فى مشكلتى
نظرت الى قائلة ارجوا ان تفهمها جيدا ، وفى كل مشكلة تتذكرها كاول حل لهذه المشكلة مهما كبرت ، امنت على كلامها بتحريك رقبتى وقد بدأ فضولى للحكايات يسيطر على ويغلب قلقى
بدات جدتى حكيتها قائلة فى قرية بعيده جدا تزوج رجل غنى من امرأة فانجب منها البنين والبنات وعاشا حياة كريمة حتى تذكرها الله عز وجل فحزن الرجل وقد اصبح اولاده كبارا وتزوجوا فشعر بوحدة ووحشة كبيرة فقرر هو الاخر ان يتزوج من امراة فى وسط العمر تؤنس وحدته وكان له ما اراد فتزوج امراة فقيرة من نساء القرية بالرغم من معارضة ابنائه لذلك وشاءت ارادة الله ان تنجب هذه المراة طفل جميل نعم بخير والده بالرغم من كره اخوته له ولان الله الدائم فقد توفى الرجل وابنه فى العاشرة من العمر طفل صغير ولم يتركه القدر بل عالجه بضربه اخرى فتوفيت والدته فى اعقاب والده فبات الفتى وحيدا لا يملك من الدنيا الا ميراثه واخوة طامعين فيه مستكثرين ان يشاركهم فى مال ابيهم .
واكتملت اركان المأزق فقرر الاخوة التخلص من اخيهم واختاروا بئر عميقة نضبت مائها ليرموه فيها ، ولما دخل الليل حملو اخيهم عنوة والقوا به فى البئر وانتظروا ان يسمعوا اصوات استغاثة او انين وجع فلم يسمعوا شئ فادركوا انهم قتلوا اخيهم ، فمنهم من ندم ومنهم من فرح الا انهم اجمعوا على ان يردموا البئر فى الصباح اكراما لاخيهم بعد وفاته للنادمين واخفاء لجريمه ارتكبوها غير النادمين
وحين طل الصبح بنوره انطلقوا حاملين فئوسهم الى البئر وسط تعجب اهل القرية الا انهم اعلنوا ان اخيهم كان يلعب فسقط فيها ومات فواجب عليهم الان ان يواروه التراب فاستحسن اهل القرية الفكرة واكبروا الاخوة الذين يهتموا باخيهم ميتا وقرروا مساعدتهم
انطلق الجميع يهيل الرمال داخل البئر كل بما قدر ولم يهتم احد بالنظر داخل البئر حتى ارتفعت الرمال وفوجئ الجميع بالطفل يرتفع مع الرمال الى فوهة وهو حى يرزق وقد ملت الجروح جسده الصغير وايضا تغطى الرمال وجهه الا انه يبتسم لهم هلع اخوته وملئهم الرعب وظنوا انها النهاية الا ان اخيهم ارتمى فى حضنهم قائلا كنت اتوقعكم تنقذون يا اخوتى بعد ان وقعت فى البئر
اخذ الاخوة الطفل الى المنزل وهناك سالوه وهم يبكون كيف انقذت نفسك مرتين يا اخينا مرة حينما رميناك بالبئر ومرة حينما اهلنا عليك التراب نظراليهم بوجهه الطفولى قائلا اما الاولى فقد كفانى الله عز وجل شرها فاصبت بجروح وقضاء الله خير من اى قضاء وصبرى عليه نعمه رزق من عندالله ، اما الثانية فكلما اهلتم ترابكم نفضته عن جسدى ووقفت فوقه حتى وصلت بترابكم هذا الى قمة البئر ثانية
استكبره اخوته وقدروا ذكائه وثقته بالله تعالى
اتذكر هذه القصة كلما وقعت فى مازق بعمق بئر خاوية فاحمد الله عز وجل على قضائه وانفض تراب من يحولون دفنى تحتهفاذا به يسقط تحتى فاخذه خطوة لاعلى حتى اصل الى فوهتك ايها البئر ، وفى النهاية اعفو واسامح لان العفو من شيم الرجال
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق