كثير من الاساطير تؤثر فى حياتنا بل وتغير حياة مجتمعات باكملها ، والاساطير لا تتوقف على زمن معين ولا حتى تاثيرها يقف على عقليات معينة ، صحيح قد يكون تاثيرها محدود على بعض الذين نالوا قسطا من العلم ولكن هذا فى الظروف الطبيعية ، اما فى ظروف انتشار الاسطورة فقد تؤثر على المثقف اكثر من الشخص العادى ، وليس افضل من مثال اسوقه اليكم الا مثال السمسمية ولمن لا يعرف السمسمية ترعة صغيرة تربطها بقرية السمسمية طريق صغيرة تمتد موازية للترعة ثم ما تلبس هذه الطريق الا ان تنحرف جنوب منفصلة عن السمسمية لمسافة حتى تصل بنا الى القرية التى تحمل نفس اسم الترعة وبداية الاسطورة منذ سنوات عديدة لا احد يعرف عددها قد تمتد الى مئات السنين وقد تكون مجرد بضع عشرات الا ان المؤكد ان البداية كانت بتعرض الحاج محمود للضرب المبرح - والحاج محمود كان من كبار رجال القرية فى المقام كما كانت صحته ما شاء الله الا انه كان زير نساء وتعددت مشاكله بسبب هذا الموضوع - فى سكة السمسمية كما يسميها الجميع وشاء الله تعالى ان ينجو الحاج محمود من هذا الموقف ليحكى للناس ان من ضربه ليسوا بشر بل جن او عفاريت لانه وجد فى هذا حرج ان يقول ان هذه العلقة السخنة من اولاد الغجر بعد ان وعد ابنتهم بالزواج وخلى بها ولم يعش الحاج محمود كثير بعد الحادث بل مات متاثرا بجراحه تاركا اهل القرية ينسجون الكثير والكثير عن عفاريت السكة، واصبحت كل حكايات القرية وونستها تتكلم عن العفاريت، واخذ الجميع احطياتاتهم فحرم المشى فى السكة بعد المغرب كما منعت النساء اساسا من المشى فى هذه السكة ورخصت قيمة الارض المطلة على السكة واصبح كل تركيز البلد منصب على تجنب هذه السكة ، وتمر السنين والناس لاتنسى قصة الحاج محمود بل تتذكرها وتضيف عليها فتكبر الاسطورة ، وبالرغم من كل الاحتياطات فأن كل فترة تحدث حادثة تؤكد الاسطورة فها هو صبحى واخوه يلقيا حتفهما ذبحا، ويعثر عليهما الناس فى منتصف طريق السمسمية ومن المعروف ان صبحى واخوه على خلاف مع ابناء عمومتهم على ميراث كبير يبلغ فدانين ، كما تقتل روحية طعنا بسكين بالرغم انها لم تمر بالطريق بل خرجت ليلا لزيارة امها فى الطرف الاخر من البلد ولم تطأ قدمها هذا الطريق منذ سنين الا انها وجدت ملقاه على احدى جانبيه ومن الصدف ان روحية الزوجة الثالثة للحاج ابراهيم وكانت دائمة المشاكل مع زوجاته واهله
ومن الغريب ان الحكومة لا تعطى هذه الحوادث الاهتمام الكافى بل تحقق فيها كاجراء روتينى مكتفية بارتياح الناس لاسناد جميع الجرائم للعفاريت ، وكيف لا وهم كل مأمور مركز هو تامين الانتخابات وتفصيلها بحيث تخرج كما يريد السيد مدير الامن ومن علاه
وبعد عدة سنوات اختفت ابنة الحاج شوقى ولم يعثر لها على اثر واكد الحاج شوقى وعائلته انها خرجت للمدرسة وقد تكون مرت بحالة من السرحان كما يحدث لها كل فترة فسلكت طريق العفاريت كما اصبح الناس يدعوه فقتلوها واخفوا الجثة التى قد تظهر فى اى وقت ، والعجيب ان كل اهل القرية صدقوا المقوله بل واكد بعضهم انه شاهدها وهى تعبر الجسر الصغير متجه الى الطريق الملعون صباح اليوم الذى اختفت فيه، بالرغم من ان ابنة الحاج شوقى احبت استاذها فى المدرسة ولم تستطع اخبار والدها بقصة حبها لفترة طويلة بسبب اصراره على زواجها من ابن اخيه الا جميع من كانوا يعرفن هذه القصة نسوها ولم يتذكروا سوى العفاريت
وبعد عدة سنوات ومع تجرا بعض الناس على السير فى هذا الطريق وانخفاض صوت السطورة بدات الارض المطلة على طريق العفاريت ترجع الى معدلها الطبيعى فى القيمة ، الا ان القرية اصحبت صباح احد الايام على ماساة جديدة فهاهو سليمان وولده توفيق يلقيا حتفهما غرقا فى الساقية المطلة على الارض التى يملكان فعادت الاسطورة اقوى من الاول ، واخذ العمدة بصفته المسئول عن القرية فى شراء الارض بربع قيمتها واندفع الناس يبيعون هنا ويشترون جزء اصغر فى اى منطقة اخرى احسن من انتظار الموت فى هذه الارض، واستطاع العمدة بتوفيق من الله عز وجل ان يشترى معظم الاراضى المطله على الطريق ويرحم الناس من اخطار العفاريت حتى وان تركها بور وهذا طبعا ما لم يحدث !!!!!
وقد جنى العمدة جزاء عمله الطيب فبعد مرور السنين وانحسار الاسطورة مرة اخرى بفضل مجهود رجال العمدة فى القضاء على العفاريت ليس فى الطريق ولكن فى عقول اهل القرية باع العمدة جزء كبير من الارض الى اهل القرية والقرى المجاورة بقيمته الحقيقية وجنى من هذا ارباح ضاعفت ثروته خمس او ست مرات
وتمر السنون وتصحوا القرية كل فترة على مأساه سرعان ما تنسب الى عفاريت الطريق ، فاصبح الاطفال يتعاطون الاسطورة كجزء من حياتهم بل ويستغلونها فى اخافة بعضهم البعض ، وتطور الامر فاصبح الجميع يبحث عن تبرير لما يفعله باسناده الى عفاريت الطريق والتى زادت سطوتها فاصبحت تهاجم القرية ، وتتسبب فى جرائم لم ترتكبها من قبل فتحرق البيوت وتهاجم النساء والاطفال، وتسرق الذهب والمال من غرف النوم وتسمم البهائم وتقتل فى الفراش ، فأضحت القرية فى ماساة حقيقية وفر منها الكثير وبيعت الاملاك برخص التراب وازداد الفقر وازداد ايضا الغنى ، واصبحت العفاريت تتجسد فى صورة ادميين من اهل القرية تفعل ما تريد وتاخذ ما تحب بينما السواد الاعظم من اهل القرية ينظرون غير عابئين ، يرجعون كل شئ للعفاريت التى تشاركهم حتى فى طعامهم ، بل حتى السواد الاعظم اصبح هو الاخر من العفاريت يحاول خطف ما يستطيع ممن حوله حسب ما تسمح به الظروف
فازداد الفقر وتمكنت الاسطورة من الجميع الكل مستفيد منها والكل يتمنى استمرارها ، مع ان الكل يلعنها كل يوم او بالاحرى يلعن مقدار ما يستفيده منها ويتمنى زيادته ،الا ان الكل يجرى محاولا خطف اى شئ ناسبا جريمته للاسطورة
واصبح الغلبان هو من يستفيد منها قليلا ، والطيب هو ما يقاوم نفسه من الزيادة منها، اما العفاريت فهم من يمرحون فى خير الاسطورة ومنهم الكريم من يوزع جزء مما يجنى على من حوله ومنهم البخيل من يكتفى بالاخذ فقط
ومع الزمن تحولت الاسطورة الى جزء منهم او اصبحت حياتهم فيتعلم الاطفال حركات العفاريت او ما تنسب الى العفاريت واندثر العلم، فهو لا ينفع ولا يساعد على الفوز بجزء من نصيب العفاريت وحل محله الفهلوة وابتكار الاساليب الجديدة حتى اشتهرت السمسمية على مستوى البر كله بقدرة اهلها على فعل كل شئ واى شئ للفوز بما يريدون
فى النهاية كلامى لان الاسطورة لاتنتهى لن ينصلح حال اهل السمسمية الا اذا طردوا العفاريت من داخلهم ورجعوا للعمل والزراعة وسلكوا طريق العلم لعل ارضهم التى تحولت الى بور ترجع مرة اخرى لتعطيهم ما حرمتهم منه جزاء افعالهم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق