وقف مبهورا انفاسه متلاحقة يقنع نفسه ان لا نهاية افضل من تلك النهاية ، دونما كلمة واحدة دونما محاولة اعتراض او حتى بادرة ، كما يذبح اى شئ بسكينة ذات نصل مسنون ، لا فرصة على الاطلاق ، او حتى محاولة لحاق او انقاذ ما يمكن انقاذه على طريقة ما لا يدرك كله لا يترك كله تلك الحكمة التى كانت اساس علاقتهما ، والشمعة التى تضيئ لهما الطريق الصعب الذى عبراه سويا لسنوات وسنوات
لم يتصور النهاية بتلك السهولة هى دونما الم دونما انقباض يعتصر قلبيهما ، سنوات وسنوات تهدمها لحظات ، اوليس الزلازل هكذا مدن تبنى سنوات وسنوات لياتى الزلزال لدقائق معدودة فيهدمها ، وياله من زلزال لم يكن له اية انذار ، زلزال اتى دونما كلمة واحدة ، حرمه حتى من حق الاعتراض الدفاع عن نفسه كما تقر قوانين حقوق الانسان ، ناهيك عن قوانين حقوق المحبين والذى يعطيه مميزات بصفته من الاقدمين ، لكن حتى اذا حصل على هذا الحق هل سيغير من مسار احداثهما ، هل سيعيد لحظات سعادتهما او بمعنى ادق هل سيحافظ على نهر الثقة بينهما متدفقا ، لا اظن بل كان سيصيبه الجفاف ان عاجلا او اجلا فتكون النهاية موشحة بالجفاف القاتل الجفاف الذى يشق ارض حبهما ينتزع منها دمائها ويتركها جرداء تعتريها مظاهره ، فلا اشجار حنان وارقة ولا زهور عشق وهيام متفتحة ولا فراشات رغبة متنقلة ما بين اشجار الحنان وزهور العشق ، لعل تلك النهاية والارض على حالها يجعل العودة اسهل ما يكون حتى وان كل طرف زار تلك الارض وحده بلا شريكه
لكن حق الانسان فى الاعتراض ، فى ان يقول كل تفكيرك خاطئ تحليلك لم يصب كبد الحقيقة ولا حتى امعائها ، وهل يساوى هذا الحق تلك القيمة لكى يقضى على ارض حبهما ، تقل قيمة حق الاعتراض بالنسبة له يزهدها تماما ، يفضل صمته المطبق لحفاظة على زهوره واشجاره بل ايضا على فرشاته ، يبتسم مشجعا نفسه على حسن اختياره ، يخطوا خطوته الاولى بعد الوقوف مبهورا ، يشعر انها خطوة طفل يتعلم المشى ، يقطع عدة خطوات ملتفتا حوله باحثا عن شئ يستند عليه ، تسيطر لهفته على اتزانه فيكاد يسقط ، تلك الهزة افاقته من نشوة الفراق يشعر فجأة ان الالم يعتصر قلبه ، انفاسه تختنق ، العرق يتصبب منه ، عيناه زائغة ويداه تبحث عن يديها لا بل عن ملمس جسدها يريد ان يتحسسها لعل هذا يعطيه ثقة انها ملكه مازالت ، لكن هيهات فلا يداها تبحث عن يده ولا جسدها ينتظرها يكاد يناديها ان المسينى ، لقد انتهى كل شئ حتى نظرة عينيها هاجرت مع من هاجر ، لم يبقى سوى هو ، وهل سيرضى بهذا ، هل سيترك نفسه عرضه للهجران ، اولم يخلق الله ارض واسعة وامرنا ان نهاجر عندما يشتد كربنا ، لما لا اهاجر الى ارض اخرى قد اجد ازهارها اجمل واشجارها اقوى وفراشتها اكثر ، اوليس هذا من حقى ، اتظن هى اننى لابد ان اهاجر الى ارض مجدبة او اقل خيرا من ارضها ، يبدو عليه حالة من التحدى ساجد ما تجعل قلبها يندم ، ازهارها تذبل واشجارها تفقد ثمارها من هول المفاجأة
يشعر انه يحمل اثقال سنوات طويلة ، تلك الاثقال تجعل بحثة عن حديقة مزدهرة امر صعب ان لم يكن مستحيل ، اثقال من الزكريات تعوق حركته تحدها ، تبطئ سيره، تقلق نومه ، تكاد تصل به الى حافة الانهيار ، الى الجنون ، يتذكر كلمات صديقه ممن مروا بتلك المرحلة ، تلك الاثقال كالهيرويين تخرج من جسمك ببطئ شديد لكن الارادة تجعلك تصل الى مرحلة الشفاء لا محالة ، اية ارادة تلك التى تمنعنى عن تذكر كلماتها الحنونة لحظات استعراضها لجمالها انوثتها الطاغية لحظات استسلامها بين يداى اين تلك الارادة ، انى احتاج الى انتفاضة شاملة تزيح فى طريقها كل شئ ثورة تسقط نظام حياتى المعتمد كليا على وجودها فيه ، ااملك تلك الارادة الثورية ، ام استسلم الى حالة من الجنون تعزلنى عن واقعى فى عالم من الزكريات
كل شئ هادئ ما عادا هو ، يكاد يغلى من فرط الانفعال يشعر ان موجة الحر المسيطرة على العباد هو احد اسبابها ان لم يكن سببها الوحيد ، يحاول السيطرة على انفعاله فلا قيمة له الان لقد انتهى كل شئ فى هدوء لما ينفعل الان لما يثور ، هل هذه مقدمة لكى يستسلم لها يجرى لاهثا معتذرا عن ما لم يفعله وما فعله ، يعتذر مقدما قرابين الخضوع بلا اى شرط ، ام ان تلك الثورة مقدمة لهجر كل هذا تركه وراء ظهره ، للكفر بكل ما مر به من احداث ، يود ان تكون ثورة لبداية جديدة بداية يجد فيها نفسه مرة اخرى
يصل الى منزله بعد اطول رحلة فى حياته بفتح الباب مسرعا ثم يغلقه ببطئ يلقى جسده وراء الباب كانه بمعن كل ما حوله من اللحاق به من الدخول معه زكرياته ثورته انفعاله حتى تفكيره يريد ان يختلى بنفسه تماما ، ينتظر دقائق ليتاكد ان ليس هناك من يحاول الدخول كسر الباب عنوة والانقضاض عليه ، يجلس منهكا على الكنبة بلا اية حراك ، يختبر بصمته تسلل اى من هؤلاء الاعداء يشعر فجاة براحة غامرة ، يغمض عينيه يخلع قميصه يتحسس صدرها تهاجمه زكرياته فجأة من اين اتت ، المفأجاة انها لم تاتى وحدها ، ذن هى حرب طويلة لا تعرف الهدنة ولاتعترف بقوانين جنيف ، يترك كل شئ ويتجه الى البوم صورة فدائما الدواء من الداء ، بفتحه يشعر بتحسن كبير اصبح لا يخاف من هجمات الزكريات فقط يشعر بالجروح الناتجة عن هجماتها نزف ببطئ مرات ومرات بسرعة ، فقط شعور بالم الجرح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق